خرج الشاطر حسن يصيد الغزلان في الغابة, وبينما كان يطارد غزالا أوصله الغزال إلى بحيرة واسعة وسط الغابة، فسحره منظرها الرائع، فترك الغزال وجلس على الشاطئ يتمتع بهذا المنظر الجميل، وبينما هو كذلك إذ ظهر سرب من الإوز الجميل، وبعد قليل حطّ السرب على شاطئ البحيرة، وبدأن يخلعن أثواب الريش، فظهر تحته صبيات من أحلى الصبايا، كالبدور في الليلة المقمرة ،أجسامهن كالبلّور تضيء تحت أشعة الشمس، نزلن إلى الماء يسبحن ويلعبن ويضحكن فرحات.
كان الشاطر حسن يراقبهن مسلوب العقل والفؤاد، وقرّر أن يسرق ثوب إحداهن ليحجزها عنده، وعندما انتهين من السباحة، خرجن يلبسن ثيابهن، إلاّ واحدة فقدت ثوبها فلم تجده، ففتّشت عنه كثيراً دون فائدة. جلست تبكي وتندب حظها، وعندما قاربت الشمس للمغيب قرّر أخواتها الطيران، والعودة إلى بلادهن وتركنها وحدها، ولمّا طارت رفيقاتها هجم عليها الشاطر حسن، وأمسكها وحملها معه إلى البيت، وهي تبكي وتتضرّع إليه أن يعيد إليها ثوبها، ويتركها ترجع إلى بلدها وأهلها قبل أن يفتقدونها، وعرضت عليه ما يشاء من الجواهر والذهب دون جدوى، ولما رأتها أمه أعجبت بها، وحيّته على هذا الصيد الثمين، وأقامت له عرساً كبيراً وفرحاً عظيماً سبعة أيام بلياليها، ثم دخل عليها فوجدها درّة مكنونة وجوهرة مصونة، وعاشا في نعيم وسرور وبسط وحبور ورزقهما الله بولد وبنت مثل أمهما بالحسن والجمال .
في أحد الأيام قرّر الشاطر حسن أن يسافر في رحلة بعيدة، فأوصى أمه أن تعتني بزوجته وأولاده، وتلبّي كل طلباتهم، ما عدا ثوب الريش لا تريه لزوجته مهما كان السبب، فوعدته خيراً وسافر مطمئناً. وبعد أيّام ذهبت الأم وكنّتها إلى الحمّام وكان فيه حفلة وعرساً لبنت الوالي، اجتمعت فيه نساء البلد، فلما شاهدوا زوجة الشاطر حسن طار عقل النساء فيها من حسنها وجمالها، وقامتها وطول شعرها الحريري، وبدأ الرقص والغناء فطلبت النسوة من الزوجة أن ترقص، فاعتذرت فألحّوا عليها، فقالت لهن لا أستطيع الرقص بدون ثوب الريش، وأفهمتهم أن الثوب عند حماتها، فطلبت النساء من الحماة أن تحضر لها ثوب الريش، فرفضت فأصروا عليها وحلفت الفتاة أنها لن تهرب، وأنهن سيغلقون الشبابيك كلها، فلم يبقوا للحماة حجة حتى اضطرت أخيراً أن تخضع لرغبتهن، فذهبت إلى البيت وأحضرت ثوب الريش.
لبست عريق المراسيل ثوب الريش، وقامت ترقص رقصة ساحرة أطارت عقولهم، ثم توقفت فطلبوا منها أن تتابع الرقص، فطلبت أولادها لترقص بهم رقصة لم يروا مثلها من قبل، فألحّوا على حماة الزوجة مرّة أخرى إلى أن أحضرت الأولاد، فوضعت كل ولد على كتف وصارت ترقص حتى حيّرت النساء، وبعد قليل لمحت طاقة في أعلى الحمّام فطارت إليها، ووقفت عندها وخاطبت حماتها: لقد اشتقت لأهلي، إن كان الشاطر حسن عشقان ومشتاق، يلحقني إلى بلاد الواق الواق.
ثم صفقت بجناحيها وطارت إلى بلادها وغابت عن الأنظار، فبهت الجميع وخيّم على رؤوسهم الطير، وساد الحزن، ولاموا أنفسهم على ذلك، وانفضّ العرس وبقيت الأم حزينة تبكي وتندب حظها .
عندما جاء ابنها من السفر علم بما جرى، فحزن حزناً شديداً ومرض في الفراش من القهر والهم، والشوق إلى زوجته وأولاده، وبعد أيام لم يعد يطيق الصبر والانتظار، فقال لأمه جهزي لي الفرس والزاد فإني سأرحل إلى بلاد الواق الواق، ولن أعود إلا ومعي زوجتي وأولادي أو أهلك دونهم.
قبل شروق الشمس ركب علاء الدين فرسه، وسار على الدرب الطويل، الذي يؤدي إلى بلاد الواق، لم يسترح ولم يهدأ حتى المساء، وصل إلى أطراف الغابة، فاختار شجرة كبيرة وافترش تحتها، وتناول طعامه ونام، وبينما كان مستغرقاً في نومه سمع حديثاً يدور بين غرابين، فأنصت دون أن يتحرك فقال أحدهما للآخر: صاحبنا هذا يريد أن يذهب إلى بلاد واق الواق، وهي بلاد بعيدة وراء سبع بحور، وعليها ملك عظيم وظالم لو أمسك به سيقتله مع ابنته التي سجنها، وأولادها في القلعة جزاء زواجها من الشاطر حسن، فسأله الآخر: وكيف الوصول إلى تلك البلاد ؟ فرد عليه الأول: لا يوجد وسيلة للوصول إليها، سوى أن يدخل إلى وادي الموت، وينتظر النسر الذي يأتي في العام مرة، فيحمل بأرجله غزالاً كبيراً يعود به إلى بلاده، وما عليه سوى أن يتعلّق بالغزال حتى يصل إلى تلك البلاد. وما إن انتهى الغراب من كلامه حتى طارا بعيداً، وبقي الشاطر حسن متيقظاً ومتعجباً من هذا الحديث.
في الصباح تابع طريقه حتى وصل مشارف وادي الموت، فوجد على مدخله حصاناً مجنحاً على يمين الطريق وأمامه كومة من اللحم، وسبعاً على يسار الطريق، وأمامه كومة من الحشيش، فتعجّب من هذا الأمر واقترب من الحصان، وحمل من أمامه اللحم ووضعه أمام السبع، وعاد بكومة الحشيش ووضعها أمام الحصان فشكره الحصان، وأعطاه شعرة من ذيله يستخدمها عند الضرورة، فأخذها ومضى في طريقه، وتسلّق الجبل وجلس ينتظر النسر، وبينما هو يراقب شاهد عقاباً يحاول أن يسطو على فراخ حية كبيرة، فرماه بسهم فأصابه وأفلت فراخ الحية، فحملهما وأعادهما إلى العش، فشكرته الحية على معروفه، وأعطته حلقة من ذيلها إذا وقع في ضيق، فما عليه إلا أن يضغط عليها فتحضر إليه حالاً.
لم تمض أيام حتى شاهد النسر يحلّق في سماء الوادي فوق قطيع الغزلان، فتابعه حتى انقضّ على أحدهما، فتعلّق به وطار مع النسر في السماء وقطع سبع بحور ثم أصبح فوق بلاد الواق الواق، فنزل النسر نحو الأرض فقفز الشاطر حسن، وتابع طريقه نحو المدينة وعلى مشارفها صادف امرأة عجوزاً تسكن في كوخ فقير، فدخل وسلّم عليها وطلب منها أن تستضيفه في بيتها، وتعتبره مثل ولدها فرضيت ورحبت به، فأعطاها بعض المال لتشتري أحسن الطعام ففعلت، وجلسا يتعشيان ويتسامران، وقصّ عليها حكايته وغايته من المجيء إلى هذه البلاد، ففكّرت قليلاً ثم قالت له: والله إن أمرك يبدو مستحيلاً مع هذا الملك العنيد القاسي، وحتى لو تمكنت من تحرير زوجتك وولديك، لا تستطيع أن تغادر البلاد، وسيقبض عليكم الملك ويذبحكم. فقال لها: لا تخافي عليّ يا ستّي، فكما يسّر الله لي طريق المجيء، ييسّر لي طريق العودة.
في الصباح طلب من العجوز أن تذهب إلى المدينة، وتستطلع له الأخبار، وتعرف له مكان احتجاز زوجته وأولاده في القصر، فذهبت وعادت في المساء ، وأخبرته أن زوجته وأولاده في غرفة في قبو القصر، وأن الحراسة عليهم شديدة، وأن الجنود يحيطون بالقصر، ولا يتركون النملة تمرّ إليه، وأن الملك أقسم أن يقبض عليك ويقتلك معهم، وقد أعلن عن جائزة كبيرة لمن يأتي بك إليه حيّاً .
جلس الشاطر حسن مهموماً من هذه الأخبار، وسهر طوال الليل، وفي الصباح عزم على أمر وجد فيه الوسيلة الوحيدة التي توصله إلى زوجته وأولاده، فطلب من العجوز أن تذهب إلى الملك، وتخبره بمكان وجوده وتقبض الجائزة عليه، فرفضت العجوز لكنه أصر عليها فوافقت، وذهبت العجوز وأخبرت الملك بوجود غريمه في بيتها، فأرسل الجنود وقبضوا عليه وساقوه إلى القصر، واستلمت العجوز جائزة كبيرة من المال على مساعدتهم في القبض عليه، وأمر الملك بسجنه مع زوجته وأولاده، وأمر بالتحضير لإعدامهم في اليوم التالي.
عندما دخل الشاطر حسن السجن فرح زوجته وأولاده واحتضنهم وصاروا يبكون من الشوق والحزن على حالهم، وأخبرت عريق المراسيل زوجها أن والدها لم يغفر لها فعلتها، ولم يشفع لها أولادها عنده، وأمر بسجنها وتعذيبها حتى يقبض على الشاطر حسن، فطمأنها ووعدها بالفرج القريب بإذن الله تعالى.
وبعد أن نام الجميع ضغط على الحلقة، فحضرت الحيّة الكبيرة بسرعة البرق، فطلب منها أن تخرجهم إلى سطح القصر، فحملتهم على ظهرها وتسلّلت من فتحة عالية في سقف الغرفة، وصعدت بهم إلى سطح القصر، فشكرها على مساعدتها، وودعتهم ومضت في حال سبيلها.
ثم أخرج شعرة الحصان المجنّح، وحرقها فظهر الحصان في السماء، ونزل على سطح القصر فركب الجميع على ظهره، وطار بهم عائداً إلى بلاده دون أن يدري أو يراهم أحد .
عاد الشاطر حسن إلى قصره سالماً غانماً، وهنأته أمه على سلامته ورحبت بزوجته وأحفادها الصغار، وأقامت لهم حفلة كبيرة بمناسبة عودتهم بالسلامة، وعاش الجميع باللذّة والنعيم وطيّب الله عيش السامعين .